عندما يحكم الجهل قبضته علينا (1
بإمكان الجميع أن يلاحظ عودة ظاهرة الحجاب التي أخذت في الانتشار في الشوارع، في الأسواق، و خاصة وهو الأمر الأكثر خطورة، في الجامعات التي كـنـّا نرغب أن تكون معابد للعلم والمعرفة.
إنـّها نتيجة الأصوليّة الزاحفة و المتستـّرة التي تشقّ طريقها في حضن مجتمعنا و التي بإمكانها هدم خمسين سنة من النضال لتحرير المرأة التونسية و تونس بشكل عام. إن الحجاب يمثـّل صفة مميـّزة لإيديولوجية سياسية معروفة، نراها بصدد العمل في بلدان أخرى و هي التي تتضمّن بذور الانقسام و الانشقاق في وطننا و التي بإمكانها القضاء على جميع جهودنا لبناء دولة حديثة. لماذا لم نتمكّن من التصدي إلى هذه الظاهرة التي يسعى البعض إلى التقليل من حدتها مع أنها علامة مريعة دالة على عمليّة نفوذ على الأذهان، نفوذ مضرّ و في غاية الخطورة على وحدة دولتنا، فمن بإمكانه أن يتصوّر أنّ أولئك الذين أوحوا بهذه المواقف سيتوقـّفون في عز الطريق؟
لقد تجرّأت على طرح بعض الأسئلة في مسألة الحجاب على اللواتي ترتدينه، و قد أدهشتني الإجابات التي تحصلت عليها ببراءتها و سذاجتها لأنه من غير المسموح لي أن أشك في صدق المواقف. قالت لي إحداهن أن بصفتها مؤمنة، فإن الحجاب فريضة، و أكدت أخرى أنّها بالحجاب ستكسب مكانا في الجنة، و قالت أخرى أنها تعبر عن تضامنها مع المرأة الفلسطينية و العراقية و أن الحجاب جزء من هويّتها العربية الإسلامية... ما هي الإجابة الممكنة على هذا؟ بأنهم يكذبون عليكم، بأنهم يتحكمون بكم، بأنهم يستعملونكم لغرض إيديولوجية ليس لها من هاجس سوى أن تقع عمليات الإشهار لصالحها و التي لم توجد في بلدنا إلا منذ ثلاثين سنة. هل تعتقد هؤلاء النسوة المتحجبات أنهن أكثر إيمانا و أكثر جدارة بالتقدير من اللواتي لا ترتدين الحجاب؟ أي ادعاء هذا؟ مع العلم أن الإسلام يشهّر بهذه المواقف التفاخرية. لقد كتبت العديد من المقالات في هذا الموضوع، و قد حاولت في كل مرة أن أتناول هذا المحور مع يقيني العميق بأن الله في القلوب و ليس في المظاهر و أن ارتداء الحجاب ليس إلا خطة سياسية لإخضاع الضمائر. إن الدليل على ذلك هو أن هذا الحجاب الذي يتم عرضه لا يتجاوز تاريخه الثلاثين سنة مع تصاعد الإسلام السياسي. يبتدئ الأمر بالتأسيس لارتداء الحجاب و الذي قد يبدو أمرا تافها، إلا أنه يتم إجبار الضمائر على أن يستمدوا الصفات المدنية المميزة مما هو ديني. طريقة اللباس ثم السلوك... و من المرجع؟ من الذي يمتلك المعرفة؟ إنهم المتدينون الذين يصبحون أسياد ما يمكن فعله و ما لا يمكن فعله، ما يمكن قوله و ما لا يجب قوله. إنهم يتقلدون لباس القديسين المعصومين من الخطأ و يصبحون المرجع في كل شيء. و هكذا يصبح الباب مفتوحا أمام كل المراوغات.
إن الإسلام دين الفطنة و التفوق على الذات، إنّ الإسلام يحثـّنا على أن نتحسّن و نتفوّق و لا يحب المنع: "لا إكراه في الدين". هل يمكن لمن درس التاريخ أن يعتقد عن صدق بأنه بعد أربعة عشر قرنا من الإسلام يتميز الرجل العربي اليوم بأفضلية من نوع خاص؟ إنه لا يختلف عن الشعوب الأخرى التي مرت، كل بدورها، بلحظات المجد. لقد عرفت الحضارة الإسلامية أوجها كما هو الشأن بالنسبة للحضارات الأخرى. لا يجب تعهّد الوهم الطفولي الذي يقول بأن الحضارة العربية الإسلامية كانت متفوقة على الحضارة المصرية أو حضارة ما بين النهرين أو الحضارة الصينية أو الهندية أو اليونانية أو الرومانية الخ... إنه من غير المنطقي أن ننغلق في ماض مهما كان مجيدا و أن يصبح هذا الماضي هو المرجع الوحيد مع نسيان الحاضر و مع نسيان أنّ العالم العربي الإسلامي غائب في الوقت الحاضر عن الإبداع العلمي و أنه لا يعدو أن يكون حائزا على نسبة ضئيلة من الإجازات العلمية التي تساهم في تطوّر الإنسانية.
عن مجلة حقائق (réalités) العدد 1110 بتاريخ 5 إلى 11/4/2007.
عندما يحكم الجهل قبضته علينا (2
Les commentaires récents