بقلم فضيلة الفاروق
في أواخر السبعينات أمدنا استاذ عراقي كان يدرسنا مادة الفيزياء في المتوسط بكتب دينية تحث البنات على التحجب، أو ما يسمى بارتداء الحجاب آنذاك و بالنسبة لنا كان الأمر غريبا، فنحن نعيش في قرية صغيرة آنذاك إسمها آريس، و كل نسائها محجبات و قلة منهن كن غير ذلك و لكنهن محتشمات جدا. كان الأستاذ عبد المنعم يتحدث عن الإسلام و كأنه مبشر في بلاد غير إسلامية، و شيئا فشيئا أصبح يتحدث عن أهوال القيامة و عذابات الحجيم لمن لم تتحجب. الأستاذ جابر الذي كان عراقيا ايضا،و الذي كان يعلمنا اللغة العربية و قواعدها، أبدع في جعل البنات يتحجبن، كما أبدع في إرعابنا من عذاب القبر، و الآخرة.
لا أحد في ذلك الوقت الباكر كان يدرك أن فكرة التحجب سيكون لها أبعاد وخيمة في الجزائر، و أنها أولى لبنات الفكر الديني المتطرف، الذي بلغ في أوائل التسعينات أوجه، و راح ضحيته أكثر من 300000 جزائري بسبب تكفيرهم.
و مع أن موجة التكفير بدأت تخف في الجزائر ، إلا أن تكفير المرأة التي لا ترتدي الحجاب يبقى بين القبول و الرفض، و لكن ما يتفق عليه عموما هو أن المرأة المسلمة لا يكتمل دينها إلا بالتحجب، و التحجب اليوم متنوع، و مختلف من بلد إسلامي إلى آخر، فمن أفغانستان التي فرضت البوركا الزرقاء على النساء في عهد طالبان بحيث لا يبدو من المرأة شيئ غير نافذة صغيرة أمام عينيها تسمح لها بالرؤية، إلى التشادور الإيراني الذي انتشر حتى في المغرب العربي، إلى العباءة السعودية التي تخفي جسد المرأة كله بالسواد و تترك العينين فقط، إلى العباءة الخليجية الفخمة و الأنيقة المنتشرة في الإمارات، إلى المنديل الذي تكتفي به متحجبات المسلمين في أوروبا متحديات قوانين البلدان التي يعشن فيها، إلى البنطلون الذي ترفضه السودان تماما دون الإعتراف بالمنديل و الثياب المحتشمة كحجاب، لدرجة محاكمة و معاقبة من ترتدي البنطلون و هي محجبة، إلى حكايات أخرى يندى لها الجبين...
فالمسلمة التي عقد المسلمون حياتها بفكرة الحجاب قد تقتل بسبب منديلها في أوروبا ، كما حدث في ألمانيا، و قد تقتل في بلاد المسلمين لأنها لم تضع هذا المنديل، أصبحت تعيش اليوم ضياعا كاملا يحولها دون التفكير في أمور جادة في حياتها بسبب فكرة أن جسدها عورة و أن الله يتربص بها ليضعها في جهنم لأدنى غلطة قد تكون ظهور بعض الشعرات من تحت منديلها.
نعم لقد بلغنا هذه المرحلة لتشويه صورة الله جل جلاله ، نحن الذين ثرنا و كدنا نعلن حربا على رسام كاريكاتور دانمركي لأنه رسم النبي محمد عليه الصلاة و السلام بصورة مسيئة له، مع أن لا أحد يعرف صورة له أبدا، و ما تم رسمه مجرد رمز لإغاظة هذا المسلم الذي يفكر بعاطفته، و يتصرف عاطفته، و يهتم بالمظاهر، و لا يحسن من وضعه المعيشي، و يهتم بهوامش الأمور، أليس دينه دين عقل و حكمة؟؟؟
لماذا إذن بلغنا هذه المرحلة من التدني في الرؤية؟ و أصبح منظر المرأة بشعر مكشوف يثير الغرائز و الآراء والفتاوي و قد يؤدي إلى القتل؟
تقول لي قريباتي في الجزائر أنه من المؤسف أن أموت و أنا غير متحجبة، و تقول صديقة الطفولة انها تأسف أنها لن تجدني في الجنة؟
من يقرر يا ترى أن أكون في الجنة أو في النار؟
صديقة طفولتي أم قريباتي؟ أم ابي أم أمي، أم أهل الحي و الجيران، أم الله وحده؟
و إن كان الله وحده، فهل سيقميني من خلال منديلي الذي أضعه على رأسي أم من خلال عباءتي إن كانت زرقاء أو سوداء أو ملونة؟ و هل سيقبل مني العباءة الأفغانية أم السعودية أم الإيرانية أم يكتفي بقبول منديلي و بنطلوني و بدلتي الأوروبية كما متحجابت أوروبا؟
هل سيقيم الله أخلاقي، و إيماني به، و إعتزازي بنفسي كمسلمة عرفت التحرر الحقيقي من خلال الإسلام؟ أم أنه سيكتفي بالنظر إلى ثيابي؟
أجدني في حيرة أمام رأي صديقة طفولتي التي تعرف أخلاقي، و تقيمني بعد 36 سنة صداقة من خلال المنديل الذي لا أضعه على رأسي، أجدني في حيرة ايضا من كل المجتمع الذي أنتمي إليه كيف أصبح كله ضليعا في إطلاق الفتاوين اللص يفتي، و المنافق يفتي، و القاتل يفتي، و مظهرنا كمجتمع مسلم محزن، فشوارعنا غير نظيفة، و أحذيتنا تسرق من المساجد، و شباننا يتسكعون كل الوقت في الشوارع، و المخدرات منتشرة عندنا، و الزنا منتشر، و جرائم الإغتصابات و القتل تملأ جرائدنا و نحن نتطاول فقط على شلة من النساء السافرات..
من جعل هذا المنديل ركنا سادسا في ديننا؟؟؟
و لماذا لم يذكر كركن أساسي في ديننا منذ مجيئ الإسلام؟
و هذا الذي يحاكمني من خلال منديلي و لا تعنيه أخلاقي من يكون في ميزان الأخلاق؟
الحقيقة تقال أنه لم يعد يهمني الجواب لأني أنا من سيحاكم أخلاقه، و كل من وضعنا في قفص الإتهام على أننا نساء سافرات سنذهب لجهنم، سنفتح الملف الأخلاقي لكل من يحاسبنا على منديل لا نضعه على رؤوسنا، و ندخل معركة : من إخترع الركن السادس في الإسلام؟
source:هل أصبح الحجاب الركن السادس في الإسلام و من أخترعه؟؟؟
Les commentaires récents